عاشق الروح
عدد المساهمات : 29 نقاط : 53 تاريخ التسجيل : 14/10/2009
| موضوع: ملحمه الحمير(اعاده صياغه) السبت يونيو 18, 2011 1:24 am | |
| ملحمه الحمير المشهد الاول: شقه داخل سرداب مظلم نيف و ثلاثون عاما لم ير نورها،آخر مره رآها فيها كانت حمراء داميه لحظه مغيبها حين خانته اللحظه وخرج على غير ميعاد...... يتلصص،كان يعرف انهم هناك، دوما مرابطين خلف اشجار البلوط الضخمة .... متربصين ... يترقبون وسط كومه من الاستدعاءات،كان يعرف انهم قادمون لكن يبدو ان هناك ثمة تأخير ما، مهارته فى التخفى زادت ابداعا وحنكه كما زادت من طول مكثته هناك ... تحت الارض. نيف وثلاثون عاما لم ير وجه بشر... يبدو انهم جميعا اتقنوا التخفى. نادرا ما كان النوم يعرف طريقا الى جفنيه الذابلتين،كان الخوف يعتصره عصرا ويجعل وقته وقتان،كان لا يستطيع النوم الا اذا سمع سمفونيته الحالمه مرات ومرات، سيمفونيته التى ورثها عن اجداده،احلامه دوما كانت كوابيس بلون الدم القاتم الممزوج بعرق الخوف ولهيب الانتظار، فى صباحه الاخير انشق صدره عن قلبه هلعا حين سمع ركلات على باب غرفته المدفونه فى قاع السرداب المظلم.... حتما هم القادمون!! مرتعدا فتح الباب الذى كان لا يجرؤ ان يفتحه الا خلسة للبحث عن شربه ماء او كسره خبز, وجدهما واقفين.....كلاهما يرتدى نفس النظاره السوداء التى تخفى معظم وجهيهما الضخمين الابيضين ويرتديان ذلك الزى الأسود الشتوى المعروف، مطبقين شفتيهما الغليظتين، أحدهما يمسك بقدميه الأماميتين وثيقه صفراء اللون ملفوفه بشريط قرمزى، قذفها .... محدقا فيهم التقطها قبل ان تسقط ، رغم تأكده انهم قادمون الا ان عيناه لم تعتادا على تلك مناظر، جذب طرفى الشريط القرمزى الملفوف بأناقه .....!!! أعلى يسار الوثيقه أيقونه صغيره لخطام يتدلى بحنكه كحبل مشنقه غليظ ، محفور تحته بحرفيه ونصف دائريه " محكمه الحمير العليا". فى وسط السطر كلمه " ا س ت د ع ا ء" ...... كانت مرصوصة رصا.وجدها استدعاء إلى محكمه الحمير التى هى خلف البرج القديم، نظر إليهما بألم الحسره و مراره الانكسار ، نظرا له فى اشمئزاز. نهقا نهقات عاليه و كبلاه بأغلال الحقد وسلاسل الاستعلاء.
المشهد الثانى: فى قاعه المحكمه فى قفص الذل والانكسار جلس، مرر عيناه من خلف القضبان مختلسا النظرات... على المنصه يقبع كبيرالحمير, يرتدى نظاره بيضاء زجاجها سميك سماكه دهر, يرسلها على انفه الصغير لتظهر عيناه الزرقاوان، قبعته تخفى الجزء الاكبر من شعره الاصفر, واضعا قدميه الاماميتين على منصه ضخمه من خشب السنديان المنقوش بطلاسم ونجوم ، ممسكا ببعض الاوراق البيضاء داخل ملف اسود، عن يمينه اثنين اقل حجما منه وكذلك عن يساره، فى ركن بعيد من تلك القاعة يقف ممثل الادعاء، هو ايضا من ذات الفصيله لكن يصغرهم حجما و سناً، مشيرا بقدمه اليسرى قائلا فى سكينه: "معشرالحمير, بصفتى ممثلا للإدعاء أطالب بإحاله أوراق هذا المتهم الى لجنة الحمير الكبرى للفصل فى أمره إما بالطرد خارج المملكه أو وضعه تحت الاختبار تمهيدا لتحويله الى حمار.. و أردف ماطا رقبته بطاووسية .... أنا كحمار قديم أرى طرده خارج مملكه الحمير لأنه اصبح عائقا نحو تقدمنا نحن الحمير" تصفيق حاد ونهقات عاليه متتاليه من كل حمير القاعه تتخللها بعض نظرات الشفقه. من خلف القضبان صرخ مستهجنا..... لماذا!!!؟ نظروا جميعا بدهشة وعيون تملؤها دوامات البحر العاتى التى تجعل الولدان شيبا..... نهق كبير الحمير نهقات قصيره متلاحقه تبعتها نهقات حمير القاعه و أردف مجيبا:"الا تدرى ما انت عليه!!؟ الم تر الناطحات !!!؟ الم تر الراسيات الشامخات!!!؟ دعواك تفوح منها رائحه قديمه عفنه كنا قد نسيناها لسنوات" قاطعه من خلف القضبان"خدعتكم آذانكم الكبيره التى تسمع دبيب النمل على صفحه الماء،خدعتكم أظلافكم الغليظه التى تدك الارض دكا، نظرتكم مازالت قاصره... و انا لا أملك تلك النظاره السوداء السميكه. نهقات عاليه فى القاعه ووقف مره أخرى ممثل الادعاء قائلا: "ألم أقل لكم معشر الحمير انه مازال يحمل تلك العقليه المتحجره التى كان يتمتع بها اسلافنا ، هو لا يريد التقدم خطوه واحده نحو الحموريه ،كونه ليس حمارا لا يعنى أن يؤخذ كلامه محمل الجد فهو مازال يهذى ، تعبنا كثيرا حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن لكنه يرفض ان يكون حمارا راقيا..... يأبى أن يقتنع أننا كنا مثله وكان شبيها لنا وصفاتنا الوراثيه تؤكد ذلك" ورفع رأسه الى أعلى ونهق نهقتين وتبعها بسلسلة من النهقات رجت أنحاء القاعه. تملكته جرأة غريبه من خلف القضبان وصرخ : لا توجد محاكمه بغير دفاع!!!!!؟ قال كبيرهم : ليتكلم محامى الدفاع. فى وسط هذا الحشد الكبير من الحمير تقدم مخلوق فارع الطول، بدا وكأنه من فصيله مغايره، فنصفه نصف انسان ونصفه العلوى نصف حمار، وقف أمام المنصة مبتسما إبتسامة خفيفه تعكس ذكاءا مصطنعا ثم نهق نهقتين خفيفتين وقال: "جميعنا يعرف قواعد تلك اللعبه, نحن تدربنا عليها كثيرا و أنا كإنسان حمار أنتظر بشغف تلك الطفره الكبرى التى أكتمل فيها من نصف إنسان ونصف حمار إلى حمار كامل بكل ما تحمله الكلمه من معنى, و أنا بدورى أطالب بتحويله تدريجيا من إنسان إلى حمار" وتقدم نحوه خلف القفص وقال له بصوت لم يسمعه من بالقاعه "يا حمار هذا أفضل لك من الطرد من مملكه الحمير" وغمز له بعينه اليسرى. حينها فى القفص صرخ وتفوه بتمتمات تختلط ببكاء يعصر قلبه الصغير والنهقات المتعاليه فى القاعه. كبيرهم يطرق بحافره الغليظ على المنصة مصدرا قراره الأخير " الطرد من مملكة الحمير". | |
|