وريقات من الأيام المباركة

وريقات من الأيام المباركة

ها هو العمر يتسرب من بين يديك كقطرات ماء من قطعة ثلج ... ها أنت تلملم أوراق عمرك المتبعثرة لتقصها على أحفادك .. فالماضى بالنسبة لك هو الحياة والحاضر مجهول موعده
الوريقة الأولى
العشرون من شعبان .... لم تتجاوز بعد العاشرة من عمرك .. تلح على أبويك أن تشترى فانوس رمضان كأبن الجيران لتجرى معه وراء المسحراتى ... يوافق أباك بعد دموعك المنهمرة ... تمسك فى يديه كأنه سيعطيك الحياة ... ها هو سوق قريتك يلوح من بعيد .. رائحة الخضر والفاكهة تغزو أنفك .. تتصاعد أنفاسك أمام دكان الحاج عبدالرحمن .. ها هى الفوانيس تغزو عينيك ، تحتار فى الاختيار فالكل تصميم واحد زجاج وشمعة فى الوسط ، الإختلاف فقط فى اللون والحجم ... تغمض عينيك لثوان .. عندما تفتحها تجدها أمامك تبسط يدها لعلها تفوز بمليم أو مليمين .. تندس فى جلباب أبيك خوفا منها تسمع أنينها الصامت
ــ حاجة لله يا حاج عبد الرحمن ... العيال جعانة .. ربنا ميحوجكاش لحد أبدا
ــ ربنا يسهلك
تسير قدميها مبتعدة عن المكان .. تجذب أبيك من جلبابه .. تمد يدك له لتأخذ حق الفانوس .. عشرة قروش يعطيها لك بابتسامة رقيقة .. تخبأها بين كفيك ... يأمرك أن تعطيها للحاج عبدالرحمن .. لكنك تجرى وراء المرأة لتعطيها حق الفانوس .. تسمع دعواتها .. تعود إلى أبيك بمقولة واحدة
ــ أنا كبرت .. ومش عايز فانوس

الوريقة الثانية
العشرون من رمضان ... البيت يضج بالجيران والأطفال بعد الأفطار .. السمن فوق النار .. الدقيق ينخل فى وسط الدار .. أمك بالداخل تأتى باللبن .. ها أنت تحمل العجوة والملبن لتحشو الكعك بيهما ... تقعد جدتك العجوز أمام الماجور لتلت عجين الكعك ها هو السمن يسكب فوق الدقيق .. تفركه جدتك بيديها .. تشير بسكب اللبن تعود لتلت وتضع الخميرة .. تبدأ فى تقطيع العجين .. الكل يمسك بالمناقيش.. يقررون من سيصنع كعكه غدًا .. تسلب قطعة من العجين لتصنع بها عروسة لتأكلها فور خروجها من الفرن ... يتغلب النعاس عليك .. تستيقظ وقت السحور.. تأمر جدتك أمك باشعال الفرن.. تلملم بعض الحطب وروث البهائم ( الجلة ) من فوق السطح ليشتعل الفرن الفرن... تضع جدك الصاج الأول الذى يحتوى على عروستك .. تخرج العروس جاهزة للزفاف على فمك تقربها منه .. الآذان يلجم حركتك

الوريقة الثالثة
العاشر من ذى الحجة .. تهرول نحو صديقك ـ الذى تعرفت عليه منذ عام تقريبا ـ لتريه ملابس العيد .. تتعلق فى رقبته .. تذهب للصلاة مع أقرانك .. بعد الصلاة تشترى مسدس لتلعب به .. تعود إلى البيت كى يراه صديقك .. تبحث عنه لن تجده .. فصوته لن يخبرك أين هو ... ها هى رأس صديقك ملقاة بجوار فروه ... تبكى وتبكى .. تدخل حجرتك معلنا الحداد عليه .. ها هى أمك تقدم إليك ما تشتهى من اللحم تغمض عينيك هامسا بالدموع
ــ لن آكل لحم صديقى


الوريقة الأخيرة
لم تتجاوز بعد الثالثة عشر .. صراخ ولطيم للخدود يوقظك من غفوتك ... ها هو جسدك أبيك يرقد رقدته الأخيرة .. ترتمى فوقه لعله يكون حلما ... لكنها الحقيقة التى يهرب منها الجميع ... تقف بجوار أعمامك تتقبل العزاء ... مساء تخلع ثوبك الطفولى لترتدى رداء الحياة