طرح البرتقال
مرحبا بكل الاخوة زوار المنتدى و نتمنى لكم اقامة ممتعة و قراءة مفيدة
طرح البرتقال
مرحبا بكل الاخوة زوار المنتدى و نتمنى لكم اقامة ممتعة و قراءة مفيدة
طرح البرتقال
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الموقع الرسمى لنادى أدب كفر شكر أدبى يتناول القصة و الشعر و شعر العامية و الزجل و أخبار نادى أدب كفر شكر و أدباءه
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

....مبرووووووووووووووك عليك يا مصر الحرية...
.. حرية.. حرية .. حرية ... عدل .. مساواة.. الله الله .. أخيرا نحن أحياء..

 

 أغنية الذي مات.. (قصة قصيرة - أحمد طوسون)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ReligionSword9




عدد المساهمات : 19
نقاط : 30
تاريخ التسجيل : 15/12/2010

أغنية الذي مات.. (قصة قصيرة - أحمد طوسون) Empty
مُساهمةموضوع: أغنية الذي مات.. (قصة قصيرة - أحمد طوسون)   أغنية الذي مات.. (قصة قصيرة - أحمد طوسون) Emptyالأحد يناير 02, 2011 8:13 pm




أغنية الذي مات - "قصة قصيرة"
تأليف: (أحمد طوسون)


ورقة صغيرة غير مستوية.. خط مائل مرتبك..
أعطى الورقة لخادم المسجد بعد أن أيقظه.. صوته أول مرة لم يخرج.. أخطأ اسمه الثالث في المرة الثانية.. والثالثة قرأه صحيحًا.. وأغلق الميكروفون..
الشبورة كثيفة.. والسائرون كتل ضبابية عمياء.. أنصتوا جيدًا.. في الحقيقة كان كل واحد منهم يبحث عن سؤال داهمه فجأة.. حين سمعوا الاسم.. انصرف أغلبهم.. حاول البعض أن يسترجع من الذاكرة شكلاً له.. قليلون من عرفوه.. آخرون كانوا يعرفونه لكنهم لم يسمعوا..
وجهه أبيض بلون صفحة جريدة خالية من الحروف.. ترتكز مؤخرة رأسه على حجر امرأة تبدو عجوزًا.. تأبى أن تتركه.. تمسح بشفتيها صقيع وجهه وتتحسس ملامحه وكأنها تعرفه لأول مرة.. تكومه على صدرها المرتجف وتصرخ بهستيريا من فقد عمرًا كاملاً.. تحاول الأخريات منعها دون فائدة..
كجبل جليد يتهاوى يقبع الرجل العجوز بالردهة الكبيرة الموصلة إلى حجرته.. فجأة شاب كل جزء فيه.. وعجز عن الفعل.. ظل يحملق في اللاشيء.. أو ربما في أشياء بعيدة لا نراها.. واضحًا أن ثمة حوارًا يديره مع شيء موجود.. وإن لم نره..
عجائز كثيرات يبكين في جوف الدار.. عليه أو على غيره فُقد منذ زمن بعيد.. غالبًا ما يأتين بذكرياتهن معهن.. تربت كل واحدة على الأخرى ويتجرعن نفس مرارة الألم..
الشبورة كثيفة.. الصباح يبدو وكأنه بعيد والشوارع على حالتها لا تتغير..
نشيج المرآة العجوز لا ينتهي.. الأخريات خف نشيجهن..
الصباح الحزين قطعته الشابة الجميلة قطعًا صغيرة وفرقته على الجميع.. اخترقت السواد وتكومت فوق جسده النحيل.. تكومت العجوز فوقها وشاركتها نشيجًا جديدًا..
قادم من بعيد بخطوات ثقيلة كالعمر.. وجهه لم يحمل ملامحًا.. تزفر أنفاسه لهيبًا وتنزف دموعه إلى الداخل..
لم يستطع الدخول إلى البيت.. عاهدته العجوز ألا يفارقه مهما حدث.. وهاهو قد فعلها وتركه وحده..
حدثه كثيرًا عن إحساسه بالموت القريب.. ظن أنها حالة ضيق وستمر ويعاود حالته الطبيعية..
في الأيام الأخيرة تغيرت أحواله كثيرًا.. وكان يبتعد كثيرًا عن الناس.. لم يكن يرغب في رؤية أحد ممن يعرفهم.. حتى هو كان يحصل عليه بصعوبة.. في المرات القليلة الأخيرة كان يتحدث عن أشياء غريبة تحدث له.. لم يعد يتحمل..
لم يصدقه..
لم يصدقه الكثيرون..
العجائز حاولن الخروج خلف نعشه..
أخيرًا ذابت الشبورة وظهرت الجدران المبتلة بالدمع.. مازالت تخلف موعدها معك..
في السماء القريبة حلقت طيور غريبة.. لم يصدر منها صوت ما.. وربما لم يرها أحدهم..
الرجال القساة منعوهن من الخروج خلفه.. عويلهن وصراخهن أفزع بهائمهم التي لم تخرج اليوم..
المسجد لم يكن بعيدًا..
أحس بهن وهن يلوحن له..
البلدة سمعت الصوت الغريب.. ورأت الطيور الغريبة.. فزعوا.. هرولوا.. رددوا بنشيج لا ينقطع "لا إله إلا الله.. محمد رسول الله"..
كثيرون صلوا عليه.. لم يتوقع أن يصلي عليه أحد..
يخرجون.. يتدافعون إلى عتبة المسجد..
يسبقونه..
دائمًا ما يسبقونه..
يحمل النعش أربعة لا يعرفهم.. الرجل العجوز يحمله اثنان يعرفهم..
أربعة.. وأربعة.. وأربعة..
كثيرون حملوا نعشك.. لكنك لم تعرفهم ولا يعرفونك..
لأول مرة تطل عليك الشمس وتغيب سريعًا..
يقتربون من البوابة الكئيبة.. كان هناك آخر سبقك.. اختلط من جاء معك مع من جاء معهم فلم تعد تعرف أيهم جاء يقصدك..
كثيرًا ما سبقك آخر..
الصوت الغريب عاد مرة أخرى..
يدخلون.. يلتفون حول شاهدك.. يهبط معه اثنان.. يخرج واحد.. الأخير يوسوس لك: "رب أعوذ بك من همزات الشياطين.. وأعوذ بك رب أن يحضرون.."
يتركوك وحدك..
أسبلوا عليك التراب.. صاحبك لم يستطع.. سقط فحمله كثيرون.. وخرجوا..
دائمًا ما انصرفوا عنك إليه..
يخرجون..
العجوز أصر أن يبقى بجوارك وحده.. ظل قرابة الساعة صامتًا.. مسكونًا بأحرف اليتيم.. انتظره آخر بعيدًا.. كلما حاول الاقتراب.. أشار له يبتعد..
أخيرًا بعد أن ظننته ميتًا ملس بيديه على شاهدك.. كم كانت يديه دافئتين.. كنت دائم التمني أن تعبث أنامله بشعر رأسك.. أن يحتويك في أحضانه..
نزف بصعوبة:
-"لم أكن أجيد التعبير.. ومازلت..
لكنني لم أحب إنسانًا مثلك..
ولم أكره إنسانَا مثلك لأنك تركتني وحيدًا.."
غامت مرة أخرى.. الآخر تضجر من وقفته التي طالت..
لم يكن هو الآخر يجيد التعبير..
في هذه المرة أصر الآخر على اصطحابه وخرجا..


* * *


هي في مدينة أخرى بعيدة.. تبعدها عنك جبال أشبه بالزمن.. ومسافات تسرق العمر.. وجه بلا روح.. مصابيح بيضاء.. رتوش وألوان.. بنايات كبيرة تدهس المارين.. وشوارع تغضب في وجهك وناس غريبون عنك..
أيها الغريب لم جئت؟!..
الشبورة كثيفة.. والسائرون كتل ضبابية عمياء.. وصوت الميكروفون البعيد لم يصل لواحد منهم.. وهي نائمة..
ترقص حول وجهها الجميل ملائكة صغار بنقاء شعاعات صبح.. وصفاء نهر فردوسي..
يقترب الصغير منها حاملاً حقيبته المدرسية.. تهرب الملائكة إلى السقف.. يقبلها الصغير.. يغترف من ضيائها ويذهب وحده.. وتعود الملائكة إليها..
لم توقظها خطوات أبيها وهو يجوب الشقة الصغيرة لترتيب حاجيات يوم عمل طويل.. لو توقظها الأم البدينة بعد أن ودعت الأب باب شقتها وعادت إليها.. سحبت الوسادة الدافئة من بين أحضانها واحتلت مكانها..
تثاءبت وابتسمت..
ابتسمت ملائكة بعدد ساكني الأرض والسماء.. وأنشدن أنشودة الصباح الجميل.. احتضنت جسد أمها وداعبتها:
- "تغافليني وتسحبين وسادتي وتنامين في أحضاني.."
ضحكت الأم..
هربت آخر نسمة نعاس من عينها.. تفتحت زهرتان.. جميلة كربة الجمال..
كان يعرف أن لها جمالاً خاصًا لا يشاركها أحد فيه.. يرى ويحس.. لكنه لا يوصف.. وفي وصفه إنقاص له.. كيف يصف المعقول اللامعقول؟.. كيف تصف الظلمة النور؟..
ارتدت الأم ثيابها وخرجت إلى السوق..
الشبورة خفت قليلاً.. زقزقات العصافير تناديها.. كنت دائمًا تسألها كيف تعرف لغتهم؟.. تضحك وتسألك:
- "وكيف تعرف لغتي؟"..
نفضت عن جسدها غبار الكسل.. فتحت ستائر الصبح على وجهها.. وتطلعت إليه في مرآة دولابها.. لمحتك ترنو إليها من المرآة.. تعرف أنك تسكن كل جزء فيها.. جيوش النمل تجتاح جسدها وتدغدغه.. كان يعجبه زيها الأسود.. مر شهر أو أكثر ولم يتصل بها..
الزقزقات.. رنين الهاتف..
(ترنك).. لهاث نبضاتها يزداد.. نسمة باردة تعانق جسدها فترتعش.. لن ترفع السماعة.. ستتركه يرن.. كثيرًا ما أسرعت إليه.. لكنه لا ينطق..
انظر كم هي جميلة؟.. كيف ابتسمت لها نافذة الشرفة؟.. كيف تراجعت الشبورة الكثيفة وطلت على استحياء الشمس..؟
الرنين..
تمد كفها إلى قفصه الصغير.. تفتح بوابته الصغيرة.. يقف على كتفها.. تداعب ريشه الأصفر.. تقربه من شفتيها.. دائمًا ما كانت تشبهه بك.. لكنه أبدًا لم يهرب.. وأنت لم تحب يومًا إلا قفا الصغيرة.. دائمًا تبدأ به قبل الأخريات..
انتهى الرنين..
هل تتساءل عن وحدته؟.. لماذا تركته عصفورته وطارت بعيدًا عندما فتحت لها الباب؟.. ولماذا لم يطر خلفها؟.. كنت تحس به يشاركك حبها.. كيف تغار من عصفور وحيد تراه ينتظر عصفورته أن تعود؟..
- "يومًا ما ستعود.."
- "يصعب على من جرب حياة الأشجار أن يرض بحياة الأقفاص.."
تمد كفها الصغيرة.. وتدخله القفص..
ثمة أنين بعيد يشق الجدران.. تشير له من بعيد وهي تداعب الأخريات.. كن يزقزقن فرحًا بها..
كم هي بريئة.. وكم أنت مدان..
تكره الشوارع الخالية وتخشى صفير الرياح ومطر الشتاء.. وأنت على عادتك تحب دغدغة الشتاء.. والنوم في العراء وبرق السماء والرعد..
أين أنت الآن أيها الغريب؟..
الطيور الغريبة تحلق في سمائها.. تسمع صوتها وتراها..
استرجعت صورته.. صورته البعيدة:
- "يومًا ما سترين طائرًا أزرق غريبًا يحلق في السماء.. ستعرفين حينها أن محاولات الرجوع باتت مستحيلة.. وأن شيئًا جميلاً قد مات.."
ارتجفت.. فزعت ملائكتها الصغار.. خنقت سحابات كثيفة وجه الشمس.. صرخت.. دوت صرختها في الفضاء دون أن يسمع بها أحد..


* * *


وحدك هنا.. خرجوا وتركوك.. لم ينتظرك أحد..
حتى العجوز تركك لجدارين يطبقان على جسدك الميت..
الليل يزحف نحوك كأفعى.. عيون الموت تتفحصك -دائمًا ما تفحصتك عيونهم- كان لا بد له أن يأتي.. لم تخافه الآن؟.. كم أحببته من قبل.. الآن ترتجف منه كقطة مذعورة.. دائمًا ما تفشل في السيطرة على أعضائك.. حاول وهي ميتة.. لا تستسلم لذلك اللحد الضيق.. اكسر أبواب زنزانتك واهرب.. لا تخشى عيونهم.. مجرد أموات.. لا تنتظر منهم شيئًا.. لن ينجدك أي واحد منهم.. سيبقون على حالتهم.. يراقبونك ولا يتقدمون..
اخرج منها..
تخلص من قيود خوفك..حطم مزاليج حبسك.. واكسر كل الأبواب التي أغلقت خلفك.. ستكون العتمة ساترًا لك.. لقد أمنوا أنك انتهيت.. لم يعرفك أحد.. تقدم ولا تتراجع..
اخرج منها.. لا تخف..
نفس الحياة التي عشتها من قبل.. لم تتغير كثيرًا.. لن تعيقك الجدران.. تقدم.. لن يستوقفك الحارس على البوابة.. هاهو يغلق بوابات عينيه فزعًا منك..
انظر..
نفس الشوارع خالية كما تحب.. البيوت فوهات براكين خامدة.. منذ ألف عام خمدت نيرانها ولن تشتعل.. الليل ماضٍ في طريقه لن يوقفه أحد..
الشتاء يفترش الأرض.. ويفترس وليمته..
الكلاب تنبح خلفك.. تعوي.. دعهم ينبحون.. لن يستطيعوا نهش لحمك..
انتظر..
ألا تريد أن تمر عليهم؟..
بضع خطوات قليلة تبعدها عنك صاحبك المخلص.. أنت يا من تبعدك عنه سنوات البلاهة التي عشتها.. هل مازلت على بلاهتك الآن وقد تعرى أمامك التاريخ؟.. بضع خطوات وتراه عائدًا لتوه.. يحمل معه أخبار النهار المنقضي.. كان يجيد الرشق من الخلف والابتسامة في الوجه..
اقترب أكثر..
يدير قرص الهاتف.. استمع..
- "آلو.."
- "........................"
- "صحيح ما حدث.."
- "........................"
- "غير معقول.. كيف ومتى؟.. ولماذا هو بالذات؟.. أهكذا بكل بساطة؟.. لقد كان ومضة النور في حياتنا.. كيف أطفأت هكذا؟.. كلنا مسئولون.. كلنا مدانون.. لا أستطيع تحمل الكارثة.."
- "........................"
- "أن نفعل شيئًا لأجله.. أي شيء.. إنه يستحق منا الكثير.."
أترى؟.. أتسمع كم يبدو كلامه جميلاً؟..
انظر إليه..
هاهو يخلع ثيابه.. يفتح ثلاجته.. يتفحص صورته التي تعلو حائطه.. يأكل بشراهة كعادته.. يتمدد أمام التلفاز.. يضحك على نكتة سخيفة ويقهقه..
أي ثمن بخس قبضه؟..
أم تراه لم يقبض ثمنًا.. وتلك هي الكارثة؟..
انطلق من أمامه كوهم..
لن يغلق لك عينيه.. ستخونه ذاكرته.. سيتذكر أنك صاحبه الأوحد وينسى كل ألاعيبه التي مارسها معك..
لم تسرع هكذا؟.. لم تعد تحتمل وجهه الخالي من الأقنعة؟..
تمهل..
الشوارع واسعة وطويلة.. خالية وكئيبة.. تشاركك نفس الألم والحزن..
تمهل.. لم تحب اليوم العودة مبكرًا إلى البيت؟..
انتظر..
لن تفلح دقاتك المتواصلة على الباب.. لن يجدي أنين الجرس المزعج.. تخط الحاجز واعبر الباب..
ادخل..
لم تتراجع منقبضًا؟.. رائحة الموت؟.. تلك الرائحة تسكن أنفك الشامخة.. كم مرة تمنيتها؟..
تذكر..
المحقق يقترب منك.. يبدو متوترًا بعض الشيء.. ترى هل له خبرة لازمة لمثل هذه المواقف؟..
خانك توفيقك.. كان للصفعة وقع الصدمة..
لا ترتعد.. لماذا تبدو ضعيفًا هكذا؟.. اثبت..
هاهو يعود إلى توتره.. يلف حولك كبندول الساعة.. تك.. تك.. تك.. الدقات المتوالية تعصف برأسك.. يقترب منك.. يسألك.. تذكر جيدًا..
لا تعرف!..
تجلد أكثر.. لكمته قوية.. وجهه أسود حالك.. ملامحه لا تعجبك.. وملامحك أيضًا لا تعجبه..
أنت متأكد.. تذكر أي شيء عنه..
حاول.. لا تنهر سريعًا..
- "يا ابن ..........................."
كنت تتمنى أن تعرف السبب.. كنت تسير وحيدًا.. الشوارع خالية وكئيبة.. تفكر في البنت البعيدة.. وفي العصفورة التي هجرت قفصها.. وقلبك الذي أفسده التدخين ولم يعد يتحمل..
وحدك الآن..
تحصارك جدران أربعة.. تعصر جسدك.. لا يقاوم الألم.. اعترف بهزيمتك.. لا أحد يراك الآن.. ابكي.. اصرخ.. لا تبق صامتًا هكذا..
ستموت صمتًا..
الزقزقات..
كيف تجرؤ على الغناء أيها الحبيس؟..
حاول ولو لمرة واحدة أن تعيش واقعك.. لا تشرد بعيدًا..
الطيور الغريبة تغزو سماء البلدة.. وأنت بين جدرانك الأربعة لا تستطيع منعها عن النعيق..


* * *


إنهم يجتمعون الآن..
تذكرت؟..
أيها الملعون.. ماذا يضحكك؟.. ألا تعبأ بجلال الموقف.. كادوا يهوون بك في الحفرة العميقة..
كم كنت ساذجًا.. غرروا بك..
الحفرة واسعة وعميقة.. كلهم يجيدون لعبة القفز..
الفتاة الصغيرة تقف وتراقبك..
جلبابك الضيق سيمنعك.. يتراهنون عليك..
- "يستطيع.."
- "لا يستطيع.."
- "حاول.."
- "ستصبح بطلاً.."
- "ستحبك الفتاة ذات الضفيرة الواحدة.."
اجتمع المشاهدون.. تراص المتسابقون.. كل واحد أخذ مكانه.. صفارة البداية.. انطلاق.. هرول.. لم تجد واحدًا منهم معك.. لا تنتظر هكذا.. عميقة جدًا.. واسعة كالمحيط.. حلق.. سيصدمك السحاب.. تسقط.. يضحكون وأنت تستغيث.. يضحكون.. يهربون وأنت تستغيث.. البنت ذات الضفيرة الواحدة ترمقك وتضحك.. يمد لك العجوز يده.. جلبابك لوثه الطين..
المرأة الطيبة في انتظارك عند الباب.. تفرغ قلقها ولهفتها في أحضانك.. تبكي وتروي ظمأها من وجهك..
- "اطمئني.. لم يحدث شيء.."
دائمًا ما تسببت في عذابها..
انظر إليه.. إنه يترقبك بنظرته القاسية.. اختبئ في نظرة أمك.. انفض عن جسدك الطين.. لا ترتعد.. لا تسقط.. الأرض صلبة من تحتك.. لا تخفهم..
اصرخ بكل ما أوتيت من قوة.. ستمنع الزنزانة صوتك.. تحاصرك الجدران الأربعة.. المرحاض الكريه.. وجه المحقق يطاردك.. صوته يخرق أذنك..
- "يا ابن ............."
لماذا تدمن الهرب؟.. انتظر..
دائمًا ما تهرب إليها.. وحدكما عند الجدول الصغير.. تمد يدها.. تداعب وجه طائر جميل.. تقربه من شفتيها.. تقبله وتتركه يحلق كملاك..
المساء جميل كوجهها.. للمرة الأولى تمسك يديها.. تتعرف على دفء ملامحها.. يسكنك إحساس بالحياة.. تحس بجناحيك يحلقان.. وجهها يرمي خجل.. تهرب منك.. تستدير.. تمسك بكلتا يديها..
الزقزقات..
عينيها بحر صافٍ.. وسماءٍ مشرقة.. عيناك قصيدة وترتيل يبتهل به في معبدها.. كيف يجرؤ وجهه الكريه على أن يطل من عينيها؟.. لن تفلح محاولاتك لمنعه..
الحذاء المدبب يشطر بطنك إلى نصفين..
اصرخ.. لن يفيدك الصمت..
لن تقوى على النهوض.. الطيور الغريبة على نافذة زنزانتك..
كم تمنيت الموت لكنه لا يأتي..


* * *


رائحة الموت تسكن أنفك..
رائحتك.. كم من السنين قضيتها بين هذه الجدران.. فوق هذه العتبات.. تحت هذه السماء..
تقدم..
حجرتك تفتح لك بابها..
مكتبك الصغير كما هو.. كتبك الكريهة كما هي.. الأغاني.. التشريعات الجانبية الخاصة.. فقه السنة.. الوعي والفن.. غطرسة القوة.. ملحق التشريعات.. بورخيس..
لم تعلب الأسماء برأسك؟.. العنها الآن.. جف حبرك..
لن تنجح محاولاتك..
احترس إنهم يراقبونك.. ينتظرون حتى تغفل عنهم ويخرجون إليك.. ينهشون رأسك: تشيكوف.. فولتير.. تولستوي.. يوسف إدريس.. محفوظ.. هوجو.. جيته.. أبسن.. اليوت..
أيها المجانين.. ماذا تريدون منه الآن؟..
اهرب سريعًا.. لن يلحقوا بك.. أسرع..
الطيور المخيفة تتكاثف فوق رأسك.. النعيق.. البلدة على عادتها نائمة.. لا يرون ما يحدث وأنت ترى..
الكرسي الخالي يتحرك دون أن يلمسه أحد.. الجدران تقترب منك.. الأرض أصبحت مهتزة دائمًا..
أي رعب أصابك..
كلهم يهتزون.. يسقطون من خيوطهم.. من ملابسهم.. يفرون.. إلى أين؟..
زلزال..
عراة يهربون.. يهربون وتبقى وحدك.. زنازينهم المغلقة فتحت أبوابها.. فتحت حجراتها.. يهربون ومازلت تنتظر.. ابتعد.. الجدار يسقط فوق رأسك.. الطيور المخيفة تحلق في سماء بلدتك..
سقطت كل الأعمدة..
يهرولون.. هرول مثلهم.. لا تضعف..
لن يفيدك البحث في الأنقاض.. حبيبتك البعيدة نائمة وحدها.. القفص الصغير يفتح بابه.. لكن عصفورك الوحيد يأبى أن يخرج.. لن تعود عصفورتك.. حلق.. الطيور الغريبة احتلت سماءك.. صوتك يسحر قلبها.. لا وقت للغناء.. لم عليك دائمًا أن تستمر وهم يهربون؟.. رائحة الموت تزكم أنفك.. أنت ميت فعلاً.. لا تستطيع لها.. صوتها بعيد.. جبال الزمن تفصلها عنك.. وحش المدينة يلتهم كل من يقترب منه..
سريرك كما هو.. خال ونظيف.. يدعوك فاستجب.. لا تستسلم لها.. صوتها البعيد.. الأنين.. لن يغير الموت من طباعك.. انظر كم أنت متهاوٍ وضعيف.. كم خدعتك الدموع.. صوتك يسحرها.. تقوم إليك.. ترقص لك.. كيف تبدل الموت حياة.. والجدب نماءً.. ترقص لك وحدك.. تغني لها وحدها.. كم أنت جميلة.. المرأة العجوز تئن أمامك.. كنت دائمًا سبب شقائها.. ارقص بين ساقيها المتعبتين.. ارتو من دموعها.. غص بين أحضانها الدافئة.. ابك..
سيمنعك الآخرون من البكاء.. ستموت صمتًا.. الأرض واسعة جدًا على خطوك المستحيل.. الجياد تدهسك.. يربحون وتخسر وحدك.. وجهك يلفح وجه الشمس..
المرأة العجوز تحس بك بين أحضانها.. الرجل العجوز عيناه تلمعان.. يجب أن تنسحب الآن.. لا تنظر خلفك.. قبّلهما بحنو وانسحب..
جميلة وهي ترقص.. أجمل بين أحضانك.. كيف تستطيع أن تمسك بالحياة؟.. كيف تستطيع أن تفلت منك؟..
يصفعك المحقق.. أنفك الحجري يتهشم قطعًا صغيرة.. وجهه البشع يبصقك..
وحدك في الزنزانة الضيقة.. كم تخاف الأماكن الضيقة.. عامل المدرسة القاسي يغلق باب دورة المياة عليك..
- "انتظر.."
ويسر وأنت تصرخ.. يغلق بابها عليك.. تنهار.. لن يسمعك أحد..تسقط..
لا تستسلم سريعًا.. انظر.. إنهم ينطلقون وأنت باق مكانك.. لا تتأخر أكثر.. سيجرفك التيار بعيدًا.. انطلق الآن وإلا لن تنطلق.. الجياد تسبقك.. المتراهنون.. لا وقت للزقزقات.. الصهيل.. اجمح.. اصرع الأرض.. الأشواك الكثيفة كم جرحتك.. جاء دورك الآن.. انطلق.. الطيور الغريبة تطاردك..
أسرع.. احذر انحدار السفح.. تهوي بك الخيل العجوز.. دائمًا ما تسقط..
قف على قدميك مرة أخرى وانطلق.. اخلع نعليك.. افتح للريح صدرك.. لا تنكمش.. اصرخ.. لا تمت صمتًا.. ستمنع صوتك الجدران.. وحدك في الزنزانة السوداء.. الليل بشع كوجه امرأة شائه..
وجهها جميل بين كفيك..
صاحبك يناديك:
- "لن تنجح أبدًا.."
يضحك.. يسخر من قدمك العارية.. ودمك الغزير..
هي والليل والسماء والمطر.. كل شيء يدعوك للغناء.. لا تكابر.. سترضخ في النهاية.. إنها تساومك.. سترقص لك.. لك وحدك.. كم تحب المساومة..
الوجه البشع يلكمك.. يجب أن تبوح.. لا تعرف.. لا يتركوك.. تقسم أنك لا تعرف.. لن يصدقك أحد.. يمد المحقق أوراقه إليك:
- "وقع.."
كم تحب المساومة..
المتراهنون.. تدهسك الجياد في طريقها.. يربحون وأنت تخسر..
- "زلزال.."
الكل يهرب منك.. لن يفيد صراخك.. فلا تحاول..
تسقط.. غيبوبة طويلة..
يلتفون حولك.. المرأة العجوز تلهث خلفك.. الرجل العجوز لا يقوى على النهوض..
تخرج الآن من زنزانتك.. نفس الشوارع والبيوت.. نفس الملامح التي اعتدتها.. نفس الاسم الذي كانوا ينادونك به..
الشبورة كثيفة.. لا أحد يعرفك.. لكنك تسير..
وتسير..

* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أغنية الذي مات.. (قصة قصيرة - أحمد طوسون)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وقائع طمس.. (قصة قصيرة)
» أقصر قصة قصيرة جدا في العالم و قصص أخرى
» قصة قصيرة بعنوان / سكر نبات
» قصة قصيرة بعنوان فراق
» "عزيزي جميل".. (قصة قصيرة)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
طرح البرتقال :: منتدى القصة :: الابداعات القصصية المحلية و العالمية-
انتقل الى: